في الأسبوع الماضي، دعا «جوتو باسكو»، مخرج أفلام وثائقية، أقاربه في أوكرانيا الذين يعانون تحت وطأة الهجوم الروسي إلى اللجوء إلى منزله كملاذ.

بيد أن هؤلاء الأقارب بعيدون - بمعنى أن باسكو يعيش في البرازيل على بعد 6500 ميل، وأن أجداده كانوا آخر أفراد عائلته المباشرين الذين عاشوا في أوكرانيا، حيث هاجروا في أواخر تسعينيات القرن 19. لكن باسكو ليس البرازيلي الوحيد الذي يشهد الهجوم على أوكرانيا من بعيد والذي يتقدم للمساعدة. مع وجود 600 ألف مواطن من أصل أوكراني، تعد البرازيل موطناً لثالث أكبر جالية أوكرانية في العالم خارج روسيا، بعد كندا والولايات المتحدة. يقع قلب «البرازيل الأوكرانية» في بلدية برودينتوبوليس.

هناك، يتم رسم بيض بيسانكا النابض بالحياة في عيد الفصح، وتزخر الشوارع بالمسيرات في الأعياد الدينية، وتتألق فرقة الرقص الشعبي بمجموعة كبيرة من الملابس المطرزة بالرسوم التقليدية، علاوة على أن الأوكرانية هي لغة رسمية، حتى أنها يتم تدريسها في المدارس العامة.هذه الأنشطة الثقافية - الرقص والفن واللغة والدين - هي التي ساعدت البرازيليين الأوكرانيين على التمسك بجذورهم.

يقول باسكو إن الشجاعة التي فاجأت المجتمع الدولي في الوقت الذي يواجه فيه الأوكرانيون الهجمات الجوية والبرية الروسية تجري في دماء الأوكرانيين في كل مكان. ويضيف: «.. عليك فقط إلقاء نظرة على تاريخنا لترى أنه لا يمكنك قتل الروح الأوكرانية». ويستطرد: «نعم، أنا برازيلي ونحن نعيش في البرازيل، لكن لدينا قلب وروح ودم أوكرانيا». جدير بالذكر أن الأوكرانيين جاءوا إلى البرازيل على ثلاث دفعات، كما يقول هنريك شلمبرجير فيتشميتشن، الذي كتب أطروحة الدكتوراه الخاصة به عن المجتمعات البرازيلية الأوكرانية.

في مطلع القرن الماضي، جاء المهاجرون الأوائل استجابة للإعلانات التي تبحث عن مزارعين للعمل في الأرض والتمتع بثروات البرازيل. وبدلاً من ذلك، وجدوا الجوع والمرض، لكنهم استقروا مع ذلك، وقاموا ببناء منازل خشبية بسيطة تشبه الهياكل التي لا تزال شائعة في غرب أوكرانيا.

واليوم، تنتشر في بلدية برودينتوبوليس، التي يغلب عليها الطابع الريفي، قباب دائرية لحوالي ثلاثين كنيسة على الطراز البيزنطي، حيث لا يزال المصلون يتجمعون وهم يرتدون ملابس مطرزة بشكل تقليدي. وبعد الحربين العالميتين الأولى والثانية، جاء المزيد من الأوكرانيين إلى البرازيل، هرباً من الاضطهاد والعنف ومصادرة أراضيهم من قبل الحكومات الخارجية.

وتعد اللغة الأوكرانية التي يتحدث بها الناس في بلدية برودينتوبوليس هي بقايا. فقد قيل للسكان المحليين الذين سافروا إلى أوكرانيا إنهم يتحدثون مثل أسلافهم القدامى.

يقول السيد باسكو، الذي سيطلق فيلمه الوثائقي الخامس عن أوكرانيا والبرازيل هذا العام: «يمكنهم فهمي، لكن لغتي الأوكرانية تعود إلى زمن آخر». يقدر أن 75 في المئة من سكان برودينتوبوليس البالغ عددهم 52000 نسمة هم من أصل أوكراني، وقد أغرت ثقافتهم حتى جيرانهم من غير الأوكرانيين.

على سبيل المثال، فإن رئيس فرقة «فيسيلكا» للرقص الفولكلوري، فرناندو ديمينيك، ليس من دماء أوكرانية، لكنه يترأس كل شهر أغسطس عشاء يضم ألف ضيف عندما يغني أعضاء الفرقة ويرقصون، حيث ترتدي النساء التنانير التقليدية ويضعن أكاليل الزهور المتشابكة في شعرهم، بينما يرتدي الرجال سترات مطرزة. وتقل أعمار معظم الراقصين في فرقة فيسيلكا عن 30 عاماً، وهم حشد غير عادي في بلدة صغيرة اعتادت على رؤية شبابها يفرون إلى مدن أكبر. وكثير منهم «موجودون هنا لأن آباءهم أو أجدادهم كانوا جزءاً من المجموعة»، كما يقول ديمينك. ويضيف: «ينتقل هذا من جيل إلى جيل. وهذا ما يبقي المجموعة على قيد الحياة». كان ديمينيك عائداً من البروفة عندما سمع نبأ الهجوم الروسي.

«لقد كان يوماً شعرنا فيه أننا أصيبنا بالشلل، بينما كنا نشاهد الأخبار». ولكن لم يمض وقت طويل قبل أن تدخل الجالية البرازيلية الأوكرانية إلى العمل. فقد أرسلت منظمات مثل «فرينتي برازأوكرا» متطوعين لمساعدة اللاجئين في بولندا، كما جمعت أكثر من 31000 دولار حتى الآن لتمويل مثل هذا العمل وضمت أكثر من 1000 عضو جديد منذ بدء الحرب.

من ناحية أخرى، تنظم الكنائس حملات لجمع التبرعات، ويقدم العديد من الأفراد منازلهم للاجئين. لم يؤكد أقارب باسكو ما إذا كانوا سيقبلون عرضه. أثار الهجوم على أوكرانيا استجابة هائلة في البرازيل، كما يقول نادر فوزيفودا، وزير الثقافة في برودينتوبوليس والممثل في اللجنة الوطنية للإنسان في البرازيل وأوكرانيا، والتي تشكلت الأسبوع الماضي لتقديم المساعدة إلى الأوكرانيين في أوروبا واستقبال اللاجئين في البرازيل. أعلنت الحكومة البرازيلية أنها ستمنح تأشيرات إنسانية للأوكرانيين.

تستعد حكومات الولايات في ساو باولو وبارانا لاستقبال موجة رابعة محتملة من المهاجرين الأوكرانيين. يقول فيتوريو سوروتيوك، رئيس التمثيل المركزي الوطني الأوكراني البرازيلي: «من ثقافتنا الحفاظ على التقاليد والشعور بالتواصل. إذا نظرت إلى أعيادنا واحتفالاتنا، تجد أن الأوكرانيين يمارسون الكثير من التقاليد التي تعود لأسلافنا».

ويتني أوليتش*

*صحفية لدى كريستيان ساينس مونيتور متخصصة في تغطية منطقة أميركا اللاتينية.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»